12/02/2022 - 21:30

فيحاء عبد الهادي: "المركزي" الفلسطيني مجلس خلافي وإمعان بالمس بمصداقية منظمة التحرير

دعت فصائل فلسطينية إلى تشكيل مجلس وطني انتقالي جديد، يمهد لإجراء انتخابات فلسطينية شاملة، معبرة عن رفضها لمخرجات اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني

فيحاء عبد الهادي:

من انعقاد الدورة الـ31 للمجلس المركزي الفلسطيني (وفا)

دعت فصائل فلسطينية إلى تشكيل مجلس وطني انتقالي جديد، يمهد لإجراء انتخابات فلسطينية شاملة، معبرة عن رفضها لمخرجات اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني الذي انعقد في رام الله مطلع الأسبوع وسط مقاطعة واسعة من قبل العديد من الفصائل والشخصيات الفلسطينية الأعضاء.

وأعلنت كل من حركتي المقاومة الإسلامية "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، في بيان مشترك عدم اعترافها بشرعية التعيينات التي أعلن عنها المجلس المركزي في اجتماعه المذكور، سواء على صعيد رئيس المجلس الوطني ونوابه، وبقية المناصب الأخرى، معتبرة أن "الاجتماع غير شرعي".

ودعا البيان إلى "عدم التعامل مع هذه التعيينات لأنها لا تمثل شعبنا، وشكلت تجاوزا لقرارات الإجماع الوطني، وقمعا للإرادة الشعبية الفلسطينية وإلى البدء فورا بحوار وطني جاد على مستوى الأمناء العامين (للفصائل كافة) للاتفاق على تشكيل مجلس وطني انتقالي جديد يضم الجميع، ويمهد لإجراء الانتخابات الشاملة، ما يساهم سريعا في إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتفعيل مؤسساتها".

وكانت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" قد أعلنت، الإثنين، أن عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" حسين الشيخ، خلف الراحل صائب عريقات في عضوية اللجنة التنفيذية، بينما حل رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني، محمد مصطفى بديلا لحنان عشراوي التي قدمت استقالتها، مؤخرا، كما جرى انتخاب عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" روحي فتوح رئيسا للمجلس الوطني.

وكانت د. فيحاء عبد الهادي من ضمن أعضاء المجلس المركزي الذين قاطعوا دورة المجلس الأخيرة، قد أشارت في رسالة مشتركة وجهت لرئاسته ووقعها ثلاثة من أعضائه إلى جملة أسباب تستدعي المقاطعة، أهمها تجاهل النظام الداخلي للمجلس الوطني والتعدي على صلاحياته الحصرية في انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية ورئاسة المجلس الوطني ورئيس الصندوق القومي الفلسطيني، ناهيك عن الأسباب السياسية المتعلقة بعدم تنفيذ قرارات دورتي المجلس المركزي في 2015 و2018 (وهي قرارات كما يتضح متعلقة بتعليق العمل باتفاق أوسلو ووقف التنسيق الأمني).

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" د. عبد الهادي لإلقاء المزيد من الضوء حول هذه القضية وتفاعلاتها على الساحة الفلسطينية.

"عرب 48": كتبتِ أن لا جدوى من حضور جلسة المجلس المركزي لأنها خلافية ولأنها تتعامل مع الانقسام كحقيقة أبدية، ولأنها تمثل خرقا للنظام الأساسي لمنظمة التحرير في قضية انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية ورئاسة المجلس الوطني، ولأن البيان الختامي كان يجري التداول به قبل انعقاد المجلس؟

عبد الهادي: في البداية من المهم التأكيد أن منظمة التحرير الفلسطينية على هيئاتها المختلفة هي بيت الفلسطينيين جميعا، وليس بعض الفلسطينيين أو بعض الفصائل الفلسطينية، هي بيت القوى السياسية جميعها وبيت أبناء الشعب الفلسطيني جميعا في الوطن وفي الشتات.

د. فيحاء عبد الهادي

من هنا فإن ما يحدث في المنظمة يهم كل أبناء هذا الشعب بصفتها الممثل الشرعي والوحيد والبيت الجامع له، وضرورة احترام نظامها الأساسي وبنوده المختلفة هو أمر في غاية الأهمية، ويندرج في هذا السياق النظام الداخلي للمجلس الوطني واللائحة الداخلية للمجلس المركزي.

هذا الالتزام يحفظ لنا وللمنظمة وهيئاتها المصداقية أمام شعبنا الفلسطيني المعني بتمثيله السياسي في إطار ممثله الشرعي والوحيد في الوطن والشتات، وفي الحقيقة فإن جلسة المجلس المركزي الحالية التي انعقدت بين 6 إلى 8 شباط/فبراير الجاري جاءت مخالفة للوائح المجلس المركزي والمجلس الوطني معا.

نقولها بشكل واضح إن ما جاء في جدول الأعمال وجرى تنفيذه لاحقا، في اجتماع المجلس المركزي، من انتخاب لرئاسة المجلس الوطني واستكمال الشواغر في اللجنة التنفيذية وانتخاب لرئيس الصندوق القومي، مخالف للائحة الأساسية للمجلس الوطني، في نصها الصريح الذي يقول، إنه يتم انتخاب رئيس الصندوق القومي وأعضاء اللجنة التنفيذية ورئاسة المجلس الوطني من خلال المجلس الوطني الفلسطيني.

وإذا ادعينا أن أعضاء المجلس المركزي هم أعضاء في المجلس الوطني فإن أعضاء المجلس الوطني ليس كلهم أعضاء في المجلس المركزي، لذلك عندما يعقد المجلس المركزي للبت في هذه القضايا، كما ورد في جدول الأعمال، فإن انعقاده يخالف اللائحة الأساسية للمجلس الوطني.

كذلك، فإن لائحة المجلس المركزي تنص على أن الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني والتي تتشكل من رئيس ونائبين ومقرر، تنتخب جميعها من المجلس الوطني، كما تنص المادة 6 من اللائحة على أنه لا يجوز للمجلس المركزي أن يخالف أو يعطل أو يلغي أي من قرارات المجلس الوطني. وهذا يعني أنه جرى مخالفة النظام الأساسي للهيئتين المهمتين في منظمة التحرير الفلسطينية.

"عرب 48": من الواضح أن المخالفات التنظيمية أو الإدارية على أهميتها تأتي لخدمة هدف أو نهج سياسي معين؟

عبد الهادي: قبل أن أنتقل إلى القضية السياسية بودي الإشارة إلى قضية إدارية إضافية، تتعلق بطريقة انعقاد المجلس وكيف يتم مناقشة جدول الأعمال، ومن يتاح له الكلام والنقاش داخل الجلسة عادة، واستشهد في هذا المقام بالجلسة الأخيرة التي انعقدت في 2018، حيث كان قد طلب الحديث 29 متحدثا لم يتح لهم الحديث لضيق الوقت، بينما سمح قبلهم لـ10 من أعضاء المجلس بذلك، 7 من بينهم أعضاء لجنة تنفيذية كانوا يقرأون تقاريرهم.

والسؤال لماذا لا يتم توزيع التقارير قبل الجلسة وإتاحة الفرصة لأعضاء المجلس بمناقشتها، واستغلال الوقت لمناقشة قضايا هامة، مثل مراجعة التجربة التي جرى القفز عليها في الجلسة السابقة.

وحتى عندما جرى توزيع التقارير في الجلسة الثانية من الدورة السابقة، وزعت متأخرة ولم يثق أعضاء اللجنة التنفيذية أنه جرى قراءتها ووقفوا يقرأونها مرة أخرى، وحرم أعضاء المجلس المركزي من حق الكلام والنقاش.

والفكرة هي أن يتم توزيع التقارير قبل وقت كاف من الجلسة ليتسنى للأعضاء قراءتها، ثم يستطيع عضو اللجنة التنفيذية تقديم إجمال سريع لتقريره، ليتاح لأعضاء المجلس المركزي مناقشة التقارير والقيام بالمساءلة والمحاسبة لكي نضمن لأنفسنا دولة قانون ودولة حريات وإلا ما هي الجدوى من الحضور.

والسؤال الأهم إذا كان القرار فعلا هو قرار المجلس، كما قال الرئيس، لماذا تذهب لجنة الصياغة إلى صياغة البيان الختامي، مثلما حدث في الدورة الأخيرة، قبل مناقشة جدول الأعمال.

"عرب 48": نحن نعرف أن انعقاد المجلس المركزي بهذه الطريقة قطع الطريق أيضا، على الحوار الوطني الذي كان يجري في الجزائر؟

عبد الهادي: طبعا، في الناحية السياسية لم يتم تطبيق قرارات سياسية في غاية الأهمية من 2015 وحتى 2021، وهناك تكرار لبعضها في البيان السياسي لدورة 2022، كذلك نجد أحيانا تناقضا داخليا في القرار نفسه، حيث نجد القرار ونقيضه أو القرار وما يعطله، كما أن هناك فرقا بين أن نتخذ قرارا وبين أن نحيله للهيئة المعنية لكي تدرسه.

عندما يكون هناك قرار بوقف التنسيق الأمني وتعليق اعترافنا بدولة إسرائيل إلى أن تعترف بنا، مثلا، فنحن نعرف أن مثل هذه القرارات قد اتخذت سابقا، والقضية ليست أن نتخذ القرار بل كيف نطبق هذا القرار، ففي البيان السياسي نجد أن هذا القرار يحال إلى اللجنة التنفيذية لترى كيف يتم تطبيقه وفقا لمصلحة الشعب الفلسطيني، الأمر يعني أنه ليس قرارا، فالقرار يجب أن ينفذ فورا.

"عرب 48": هم يرجعون الموضوع لاعتبارات اللجنة التنفيذية وتقديرها للمصلحة الوطنية؟

عبد الهادي: اللجنة التنفيذية تكمن أهميتها في كونها من يجب أن ينفذ قرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي، والسؤال إذا كانت تلك قرارات أم لا، وعندما تكون قرارات يجب أن تنفذ فورا، والمطلوب من المجلس متابعة خطوات التنفيذ للقرار الذي صدر في 2018 وهو نفس القرار الذي أعيد اتخاذه في هذه الدورة أيضا.

ما يحدث أنه عوضا عن تنفيذ القرارات التي اتخذت عادوا وأكدوا على بعضها وأضافوا بعضها الآخر، ما يبدو وكأنه مجرد إرضاء لرغبة الناس.

"عرب 48": كم مرة جرى الإعلان عن وقف التنسيق الأمني، وعلى الأرض لم يتوقف شيئا؟

عبد الهادي: صحيح، وكلنا نذكر عندما أعلن الرئيس محمود عباس عن وقف التنسيق الأمني، وقيل إنه تم التراجع عن ذلك لأنهم يريدون الالتزام باتفاقيات "أوسلو"، هذا في وقت تعلن فيه إسرائيل أن اتفاقيات أوسلو انتهت.

نحن نتمسك باتفاقيات مع طرف يعلن ليل نهار أنه قد أبطل هذه الاتفاقيات، هذا ناهيك عن أنه لم يلتزم بهذه الاتفاقيات منذ البداية.

اقرأ/ي أيضًا | حبر على ورق

"عرب 48": الوجه الآخر للتنسيق الأمني هو الانقسام، الذي لطالما أعلن عن حوارات واتفاقات على إنهاءه واستعادة الوحدة الوطنية والجغرافية؟

عبد الهادي: برأيي أن الجواب واضح، لا توجد إرادة سياسية لدى الطرفين بإنهاء الانقسام، لأن من غير المعقول أنه منذ العام 2007 نسعى لإنهاء الانقسام دون نتيجة، كما أن هناك نقطة مهمة وهي إذا كان برنامجنا وبياننا السياسي يلوح بوقف التنسيق الأمني وتعليق الاعتراف بإسرائيل، إلى جانب التأكيد على المقاومة الشعبية، فهذا يعني أننا مقبلون على مرحلة مقاومة يفترض أنها تتطلب إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية.

ولكن في الواقع الجميع يدركون أن من يريد إنهاء الانقسام يجب أن يوقف الحرب الكلامية والشتائم المتبادلة أولا، والناس باتت لا تثق بمقولات وشعارات وحوارات إنهاء الانقسام مثلما لا تثق ببيانات وقف التنسيق الأمني وتعليق الاعتراف بإسرائيل.

"عرب 48": انعقاد المجلس المركزي بهذه الطريقة ليس فقط أنه لا يساهم في إنهاء الانقسام بل يساهم في تعميقه وتوسيع شقته ونقله إلى داخل منظمة التحرير أيضا؟

عبد الهادي: من الواضح أنه مجلس خلافي وليس توافقي وأنه وقع في مخالفة قانونية للأنظمة الداخلية للمنظمة، كما أنه لم يجر تنفيذ القرارات التي اتخذت في 2015 و2018 و2021 وهو بهذا المعنى غير قانوني وغير وحدوي ولذلك فإن المشاركة به غير مجدية.

"عرب 48": وماذا بعد هل هناك تنسيق بين القوى والشخصيات المقاطعة نحو خطوات على الأرض، خصوصا وأن الحاجة تزداد لقطب ثالث؟

عبد الهادي: هناك غياب لبديل والناس بحاجة له كي تلتف حوله، لننظر إلى الالتفاف حول شهداء نابلس والذي يعبر عن استعداد الناس للالتفاف حول برنامج المقاومة، ولننظر إلى العديد من النجاحات والأسلحة، عندنا تقرير "أمنستي" وعندنا روعة موقف الجزائر وشعبها في المنظمة الأفريقية وعندنا نجاحات حركة المقاطعة "بي دي اس"، كلها أمور يمكن استثمارها إذا ما جرى ترتيب البيت الداخلي وتبني استراتيجية مقاومة شعبية فعلا.

د. فيحاء قاسم عبد الهادي هي كاتبة وشاعرة، ومستشارة بحثية، ومحاضِرة وهي المؤسِّسة والمديرة العامة لمؤسسة "الرواة للدراسات والأبحاث"، وعضوة في المجلس الوطني الفلسطيني، وفي المجلس المركزي الفلسطيني، وهي عضو مجلس المفوضين في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في فلسطين وهي المنسقة الإقليمية للمنظمة النسوية "نساء من أجل السلام عبر العالم".

التعليقات